imancom المدير
عدد الرسائل : 88 العمر : 33 تاريخ التسجيل : 19/03/2008
| موضوع: مراحل جمع القرآن الكريم الخميس 10 أبريل 2008 - 16:56 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
كانت الآية تنزل على قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- فيحفظها ويتلوها على الصحابة، فيحفظها الصحابة وكان بين يديه- صلى الله عليه وسلم- كُتَّاب ، كُتاب للوحي, يكتبون الوحي، منهم خلفاء الأربعة, ومنهم ابن مسعود ومنهم أبي بن كعب, ومنهم زيد بن ثابت وآخرون، ومن أشهرهم طبعا زيد بن ثابت وكانوا يكتبون بتوقيف من النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت الآية تنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول ضعوا هذه الآية من تلك السورة بعد تلك الآية، أو ضعوا هذه الآية بعد تلك الآية في تلك السورة؛ وهكذا كانوا يكتبون بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن وسائل الكتابة كانت يعني بدائية, فكانوا يكتبون على عسب النخيل وهو الجزء العريض من جدع نخلة يقشطونه ثم يكتبون عليه, هذا اسمه عسب نخيل وكانوا يكتبون على اللخاف- جمع لخفة- وهي الحجارة الرقيقة, حجارة رقيقة كانوا يكتبون عليها، وكانوا يكتبون على الأديم وهي الجلود, وكانوا يكتبون على الأكتاف وهو جزء العريض من الترقوة من الأنعام، وأيضا كانوا يكتبون على الأضلاع، وهكذا يعني كانت طريقة الكتابة، فكان ترتيب المصحف, ترتيب السور عسيرا مع هذه الوسائل، فضلا عن ترتيب الآيات ، فالمصحف كان ما يكتبونه يودع عند رسول -صلى الله عليه وسلم - في بيت رسول -صلى الله عليه وسلم -, فما توفي رسول-صلى الله عليه وسلم- إلا والمصحف قد جُمِع لكن ليس بين دفتين، جمع بهذه الوسائل، فإذا أردت أن تنظر إلى المصحف فتحتاج إلى أن تنظر ربما إلى غرفة مليئة بالحجارة الرقاق, وسعف النخيل والجلود والعظام كلها كانت، فلهذا كانت عملية جمع القرآن بين دفتين عملية شاقة جدا حتى قال زيد بن ثابت :<< لو كلفوني نقل جبلا لكان أهون علي>> فكان إذاً القرآن توفي رسول - صلى الله عليه وسلم- والقرآن محفوظ في الصدور وعلى هذه الوسائل البدائية, ولم يكن يعني قال العلماء إن السبب الذي لم يجعل -عليه الصلاة والسلام- يجمعه بين الدفتين, أنه يعني كان القرآن يتنزل وكان هناك نسخ, وكان الوحي يتنزل والنبي -عليه الصلاة والسلام - يعني موجود فلا يخشى ضياع القرآن، لكن لما توفي النبي- صلى الله عليه وسلم- وارتد من ارتد من العرب, وانبرى صدّيق هذه الأمة - رضي الله عنه- لحرب المرتدين ومانعي الزكاة, وقتل مئات القرّاء وحفظة القرآن في المعارك في حروب الردة خصوصا في معركة اليمامة, حتى أن الأمر أفزع عمر- رضي الله عنه- فجاء إلى أبي بكر وأشار عليه أن يجمع القرآن بين دفتين وأن يجعله يعني أن يجمع المصحف، فقال لأبي بكر: إن القتل قد استحرّ في قرّاء القرآن وأخشى أن يضيع القرآن بضياع حَمَلته أو بموت حَمَلته, فتردّد أبو بكر وقال : كيف نفعل شيء لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم-, فلا زال عمر يراجعه ويحثه ويقول له, يبيّن له أن في ذلك خير, حتى انشرح صدر أبي بكر الصديق, فأرسل إلى زيد بن ثابت وقال له أنت شاب ولا نتهمك, كنت تكتب بالوحي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتتبّع القرآن من العسب واللخاف والجلود والعظام واجمعه بين دفتين. فأيضا تردّد زيد, وحكى له أبو بكر قصة تردّده مع عمر وكيف أن عمر راجعه حتى انشرح صدره وأن في ذلك خير, فقبل زيد أن يقوم بهذه المهمة, وقال كلمته المشهورة: << والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي >> فاستعان زيد بأكثر من واحد لهذه المهمة, فكان أن فعل أبو بكر الصديق وقام بمهمة عظيمة جليلة وهي جمع القرآن بين دفتين, ومن يومها سمي القرآن المصحف من الصحف, وطبعا هذا العمل الجليل العظيم يسجّل بصحائف من نور لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه- وفعله هذا من المصالح المرسلة وليس من البدع كما يظن بعض أهل البدع، فكان إذاً السبب في الجمع الصديقي هو حفظ القرآن من الضياع, وبالطبع هذه مهمة لا بد منها خصوصا اشتداد القتل في حفّاظ وقرّاء القرآن؛ طبعا لما زيد قام بهذه المهمة كان لا يكتفي بالمحفوظ في الصدور حتى يشهد شاهدان من الصحابة, ويجد هذه الآية عند اثنين أقل شيء من الصحابة مكتوبة, ووجد آية في أواخر سورة التوبة: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } وجدها عند أبي خزيمة فقط ,مع أنها محفوظة من محفوظاته, ومحفوظات عشرات من الصحابة، فكان يجمع بين المكتوب والمحفوظ, بين المحفوظ في الصدور وبين المكتوب, وهكذا يعني تُحُرِيَ أعلى مراتب الدقة والضبط والاحتياط في حفظ القرآن .
أما جمع عثمان فأسبابه: كان سبب الجمع العثماني ليس جمع القرآن بين دفتين, فإنه كان مجموعا متداولاً، وإنما مقصد عثمان القضاء على الخلاف الذي دبّ بين الصحابة حينما اجتمعوا في الأمصار في بعض الغزوات كأذربيجان وأرمينيا, فاجتمع أهل الشام وأهل العراق وأهل البلاد العربية والإسلامية, وكان بعضهم يحمل قراءات منسوخة وبعضهم يحمل قراءات يقرأ بقراءات تخالف العرضة الأخيرة ، وبعضهم كان يقرأ بقراءات أحادية لم تثبت قرآنيتها, فدبّ بينهم الخلاف, فأفزع ذلك حذيفة بن يمان فطار إلى عثمان بالمدينة, من أذربيجان وأرمينيا إلى المدينة، وهذه رحلة تستغرق ست شهور, لكن الأمر عظيم أمر جلل يستدعي أن يفزع له حذيفة - وما أدراك ما حذيفة ، ذاك الصحابة الذي كان دائما يفزعه الشر ويسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه- فلما وصل إلى عثمان قال له يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف عن كتاب ربها اختلاف اليهود والنصارى؛ فجمع عثمان الصحابة وأمة الإسلام على المصاحف، المصاحف هذه التي هي يعني سميت بالمصاحف العثمانية, وأبقى عنده مصحف في المدينة سمي بمصحف الإمام لأنه يجمع كل يعني القراءات المتواترة التي يقرأ بها المسلمون.
فعثمان قد بيّنا وفنذنا في الدرس الماضي قول من قال بأن عثمان جمع الأمة على حرف واحد وهو حرف قريش وبيّنا بطلان ذلك وأن هذا الأمر مات الرسول - صلى الله عليه وسلم- والقراءات والأحرف السبعة يقرأ بها ويعمل بها ، فكيف يأتي عثمان وينسخ شيء من القرآن, وقد تكفل الله بحفظه فما كان لعثمان ولا لمن هو أعظم من عثمان أن يفعل؛ ذلك بيّنا هذا وذكرنا أن هذا قول ضعيف, ولهذا قال الشيخ : «والجمهور» يعني مصحف الإمام الذي جمع القراءات, وجمع ما ثبت في العرضة الأخيرة ولم يخرج عن الأحرف السبعة واشتمل على الأحرف السبعة أو على جزء كبير منها, قال الشيخ : «والجمهور أنه مشتمل على ما يحتمله رسمها، -يعني رسم المصاحف- ومتضمنتها العرضة الأخيرة» هذا أهم شيء إنه هذا المصحف الإمام والمصاحف التي أرسل عثمان إلى الأمصار, قيل سبعة وقيل ستة وقيل خمسة أنها متضمنة للعرضة الأخيرة, وأنها ليس فيها ما نسخت تلاوته, وليس فيها آحاد, وليس فيها قراءات شاذة وأنها محل إجماع، فقد أجمع عليها الصحابة، والصحابة والأمة لا تجمع على ضلالة فهي متضمنة لما احتمله رسمها, الآن انظروا إلى رسم المصحف الذين بين أيدينا, ولهذا نحن نقول وهذا هو مذهب المحققين وأكثر أهل العلم أنه لا يجوز رسم المصحف بالرسم الإملائي، لأننا إذا رسمنا بالمصحف الإملائي ضيّعنا القراءات المتواترة لأن الرسم الإملائي لا يحتمل القراءات الأخرى, ممكن الرسم الإملائي يحتمل قراءة, يحتمل رواية, لكن لا يحتمل, ولهذا لما عثمان أرسل المصاحف أرسلها غير مشكولة وغير منطوقة, وأرسل معها معلِّم كل مصحف أرسل معه معلم لأن في ذلك حكمة حينما لم ينطقها ولم يشكلها حتى تحتمل القراءت الأخرى, فلفظ (فتبيّنوا) (فتثبّتوا) رسم واحد فيحتمل القراءتين, فلفظ (ننشرها) و(ننشزها) جرّد من النقط ليحتمل كلا القراءتين, كذلك (مالك) و(ملك) رسم بحذف الألف ليحتمل القراءة الأخرى قراءة إثبات الألف وهكذا إخواني؛ فلهذا قد تقدم معنا, فكان غرض عثمان -رضي الله عنه- القضاء على الفتنة وجمع الأمة على القراءات المتواترة الموافقة للعرضة الأخيرة، القراءات التي ثبتت قرآنيتها, القراءات التي أجمع عليها الصحابة, القراءات التي ليس فيها منسوخ وليس فيها آحاد وليس فيها شيء مدرج مما كانوا يكتبونه على هوامش مصاحفهم كتفسير آية وإيضاح معنى غامض, هذا هو إذاً القصد من هذا الجمع، الجمع الصديقي القصده به حفظ القرآن من الضياع بين دفتين, والجمع العثماني القصد به إلزام الأمة وحملها على القراءات التي ثبتت بالعرضة الأخيرة, القراءات المتواترة القراءات غير المنسوخة حتى يقضى على فتنة الاختلاف على القرآن, وليس على حرف واحد من الأحرف السبعة فالآن القراءات العشر المتواترة المقروء بها هي جزء من الأحرف السبعة .
قال «وترتيب الآيات بالنص»: ترتيب الآيات بالنص يعني منصوص عليه, إذاً ترتيب الآيات ترتيب توقيفي, وأوردنا نص عن البغوي, ونص عن عبد الله بن وهب, فعبد الله بن وهب يقول : " سمعت مالك يقول : إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-" ، فإن قال قائل -وهذا حجة من قال بأن ترتيب السور غير توقيفي- أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلى يوما وصلى معه حذيفة فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم رجع إلى آل عمران, فيقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك لبيان مشروعية أنه وإن كان القرآن مرتب الآيات مرتب السور فإنه يجوز أحيانا الإنسان خصوصا في صلاة النافلة أن يقدّم وأن يؤخّر لا في السورة الواحدة يعني ما بيصير أنت تأتي تقرأ يعني في السورة الواحدة وترجع إلى الوراء لا, ولكن أن تختار سورة ثم تقرأ سورة أخرى ليس بالترتيب الذي هو معهود ومعمول به هذا من باب التوسعة ورفع المشقة ودفع الحرج, وليس معنى وإن كان الأفضل التزام الترتيب لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ما هو الأيسر والأهون لأمته . فإذاً ابن وهب يقول : " سمعت مالك يقول : إنما ألف القرآن على ما كان يسمعون من قراءة رسول -صلى الله عليه وسلم-", فبالمقابل أكثر ما كان يقرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بالترتيب فقرأ بالسبع الطوال في ركعة ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ بالسبع الطوال في ركعة, وقال: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجّان عن صاحبهما» إذاً هذا يعني كل دليل على أنه أيضا السور ترتيبها توقيفي ، السور ترتيبها توقيفي, ثم إن هذا القرآن الذي بين أيدينا بهذا الترتيب الفاتحة ، البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، الأعراف وهكذا هذا هو نفس ترتيب المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأنصار وأجمعت عليه الأمة والإجماع حجة قاطعة؛ إذاً قول الشيخ : " والسور بالاجتهاد" هذا مرجوح, هذا الكلام مرجوح ، هذا كلام قول ضعيف, أما القول الصحيح أن السور أيضا ترتيبها توقيفي وليس اجتهادي ولهذا قال البغوي المتوفى سنة -ستة عشر وخمسمائة- قال : " إن الصحابة -رضي الله عنهم- جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله -سبحانه وتعالى- على رسوله - صلى الله عليه وسلم- من غير أن زادوا عليه فيه أو نقصوا منه, وكان رسول - صلى الله عليه وسلم- يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف من جبريل -عليه السلام- إيّاه على ذلك, وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا" اهـ. إذاً تبيّن من ذلك أن قول الشيخ المصنف " والسور بالاجتهاد " هذا قول قال به بعض أهل العلم لكنه قول خلاف الراجح. | |
|